«هناك مَن سيقرأَ هذه الخواطرُ يوماً؛ لذا.. لن ٵُسجلَ حرفاً واحداً من ذلك السِّرُّ الرهيبُ.»

الأربعاء، 7 يونيو 2006

﴿  ٥٧  

لملمَ بمڪنستهِ ٵڪوامِ القمامةِ المُتناثرةِ علــے جانبي الطريق، ثم ٵخذَ يُعبئها في الجُوَّالِ حتى امتلأ عن ٵخِرّهُ، فحملهُ علــے ظهرهِ وزحفَ باتجاهِ الحُفرةِ الواقعةُ في نهايةِ السُّوق..
طالبتهُ إدارةُ المُستشفَي بدفعِ تڪاليفِ علاجِ ابنتهُ، فلماً عجزَ عن تدبيرها تلقَّى خطاباً من المشرحةِ باستلامِ الجُثَّةِ الصغيرةِ..
افرغ جُوَّالُ القمامةِ في قلبِ الحفرةِ، و عادَ ٵدراجهُ ليُڪملَ جمعُ القمامةِ من بقية شوارعِ السُّوق..
صفعها علــے وجهها عندما شبهتهُ بالقمامةِ التي يجمعها، فتدخل الجيران ونصحوه بالبحثِ عن عملٍ إضافي لزيادة دخلهِ حتى يُمڪنه إسڪات اللسانِ للزوجةِ المُشاغبة..
رغم جهلهِ بما تحوِّيهِ ٵعماق الحُفرةِ إلا إنَّها ٵنقذته من عملياتِ إحراق القمامة، التي ٵصابتهُ بالسُّعالَ المُزمنِ..
ڪان الرد الوحيدُ الذى تلقاه من ٵصحابِ الأڪشاكِ هو ٵنَّ حالة الرڪودِ تضطرهم إلــے التخلص ممن لديهم من عُمالٍ..
خرج من السُّوق تُطارده شتائم زوجته فرأَى نفسه و قد تحوَّل إلــے ڪومِ مُتحركِ من القمامة، تحُطُّ عليهِ ٵسرابً هائلةً من الذبابِ. ٵخذَ يعدو مُسرعاً من الطَّنينِ المُزعجِ، حتى وجد نفسهِ يقفُ علــے ٵطرافِ الحفرةِ، رأَى ٵسرابَ الذبابِ و قد ٵحڪمت الحِصارَ حوله فألقَى بنفسهِ إلــے الداخلِ. ٵنقضت عليهِ جماعةٌ من الأقزامِ اللذين بدت وجوههم حالڪةُ السواد بفعلِ الظلامِ المُطبقِ في الحُفرةِ. طرحوهُ ٵرضاً، و خلعُوا عنه ملابسه، و البسوهُ جلباباً بلا ٵڪمامٍ، ڪانوا جميعاً يرتدونَ مثله، وضعوا في فمه ڪمامةِ و ٵفهموه بالإشارةِ ٵنَّ ڪُلُّ شيءٌ مُباحٌ في الحُفرةِ، ماعدا إخراجِ ٵيّ صوتٍ قد يتسربُ إلــے الخارجِ فيُعرضَ وجودهم للخطرِ.
ٵمسكَ بقوةٍ العصَّا الخشبية الغليظةَ لمڪنستهِ العتيقةِ، ٵڪسبتهُ قدراً من الطمأنينةُ. فقررَ ٵن يخوضَ التجربةِ.
ڪان الأقزامُ ذو الوجوهِ المُظلمةِ يجتمعونَ يومياً في دوائرِ مُغلقةِ ليتحاوروا فيما بينهم بالإشارةِ .ثم لا يلبثونَ ٵن ينهضوا جميعاً علــے ٵقدامهم ليُمسكَ بعضهم بخناقِ البعضُ الأخرَ، و يتبادلوا الصفعاتِ و اللڪماتِ و الرڪلاتِ، ثم يعودوا لمُواصلة الاجتماعاتِ. في احدَى المراتِ، ٵستَلَّ ٵحدهم سڪيناً و طعنَ به رفيقه، فانفجرَ الدمُ من صدرِ القتيلِ مُتناثراً علــے الوجوهِ. تسربت من تحت الڪمامةِ صرخةٍ مڪتومةٍ، فاستدارَ إليهِ الجميعُ و انهالوا عليهِ ضرباً، بينما القاتلَ قد ٵنحنَى يمتصُ دمَّ القتيل.
حاولَ ٵن يدفعهم عنه بـإستخدامِ مڪنستهِ، ٵنتزعها احدهم و حطمها إلــے قطعٍ صغيرةٍ، ثم ٵلقَى بها في وجههِ.
علــے مدارِ سنواتٍ طويلةٍ و حياتهِ تدورُ حولَ هذه المڪنسة، لم تڪن مُجردِ مصدرِ رزقهِ، بل ڪانت ٵَنِسَيتْهِ. قطعَ فرعاً صَلباً من اِحدَى ٵشجارَ قريتهُم بالبلطَةِ، و شَذَبهُ حتى اِستَوَى ڪالعصا، و جمعَ سُبَاطَ البلحِ بيديهِ من النخيلَ، و حاڪها حولَ العصا بِسلِّكٍ حديديّ ٵخذهُ من الحدادِ. رافقتهُ منذ ذلك الحِينَ، يڪنسُ بها شوارعِ السُّوق، و يتَڪِيءُ عليها في خُطُوةِ، و يهشَّ بها الڪلابَ الضالةِ، و يرفعهُا مُهدِّداً في وجهِ مَن يُهينهُ ٵو يسخرُ منه. خلالَ استحمامهِ ڪان يأخذها معه ليغسلها بالماءِ و الصابونَ، و قبلَ نومهِ ڪانَ يُمدِّدها برفقٍ ٵسفلَ الفراشِ، حتى يلتقطها بمُجرَّدِ نُهوضهُ، و يذهبا سوياً إلــے السُّوق؛ و ها هى قد تحطمت.
نزعَ الڪمامةِ عن فمهِ و صرخَ بأعلَى صوتهِ طالباً النجدةِ.
ٵُصيبَ الأقزامِ بِهلعٍ شديدٍ، و ٵخذوا يَنُوحُونَ و يَلطِمُونَ الخُدُودِ.
و لما تدفقَ الناسِ داخلِ الحُفرةِ، اِستجابةً لنداءِ النجدةِ،
ڪان الأقزامُ يقفزونَ قفزاتٍ مجنُونةٍ في الهواءِ و قد تَدَلّت ٵذرعتهُم حتى لامَسَتْ الأرضِ. و في اليومِ التالي نَشَرتُ الصُّحفِ:
خبرَ إنقاذِ مواطنٍ وقعَ في براثنِ قطيعٍ من القردةِ
 ٵبريل ٢٠٠٦